لا يمكن التفاوض مع الأسد ورأسك بين فكيه!!!!! مقال للبروفيسور أيوب الحمادي

واضح أن للعرب لا دور يُذكر في ملفات الأحداث الجارية؛ فهم لم يكونوا سوى شهودًا على مشروع “شرق أوسط جديد” الذي تطور أمام أعينهم بقوة إرادات خارجية. أصبحت بعض مجتمعاتهم جزءًا من الفوضى التي صنعتها أيديهم وايضا أيدي غيرهم، دون قدرة على التأثير أو الرد أو حتى تقديم مبادرات بنّاءة. مجتمعاتنا العربية أنهكتها الصراعات الطويلة، الفساد المستشري، غياب القيادات الوطنية الحقيقية القادرة على الإنجاز مثلما فعلت شعوب أخرى، غياب التنمية الحقيقية، وفقدان الروح التنافسية العادلة وقبل ذلك توقف عجلات المعرفة والتنمية والانتاج على الدوران. فاليوم أصبحت مجتمعتنا مقيدة بأغلال متعددة من فساد وانهزام داخلي وفوضى وانعدام وجود اي بوادر لمشروع وطني جامع في اطار وطني او اقليمي او عربي، انتظار المساعدات الخارجية والهبات إلى القروض المربكة والهيمنة السياسية والاقتصادية الخارجية. فكيف يمكننا أن نستمر في الفوضى والفساد وحتى استيراد كل شيء، من الإبرة إلى الصاروخ، دون بناء معرفة حقيقية، ونريد ان نمتلك القرار؟ 

فمحزن بعد نصف قرن أن نقول إن مجتمعاتنا العربية ما زالت تعاني من نفس المشاكل التي ظننا أنها ستحل مع الزمن مقارنة بدول اخرى كانت خلفنا. لم نتقدم كما كان يجب، وما زلنا ندور في حلقة مفرغة. مجتمعاتنا العربية اليوم منهكة ومنهزمة ولا تمتلك، في كثير من الحالات، حتى حريتها أو كرامتها ولا القدرة على المبادرة. إنها لا تملك إلا الفتات مما يحدث في أوطانها، بينما تُدار مصائرها من قبل نُخب داخلية فاسدة وقوى دولية وإقليمية تسعى لتحقيق مصالح الراس مالية المتوحشة. ومن وجهة نظري، ما زال العرب باختلافهم  حتى اليوم رهن الهيمنة والاستبداد والاستعمار الجديد، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو عبر أدوات داخلية تم توظيفها لخدمة أجندات خارجية. 

أما إذا نظرنا إلى المؤشرات المستقبلية، فإن الأمور تبدو قاتمة إذا استمرت بنفس النهج والسلوك والأدوات، مثل غياب القيادات الوطنية الحقيقية، غياب الاستقلالية الوطنية، الاعتماد الكامل على الخارج في القروض والمساعدات والحلول، والعجز عن تحقيق التنمية الذاتية أو التحرر الوطني. بالإضافة إلى ذلك، هناك غياب أي مشروع تنموي عربي حقيقي يعيد بناء الأوطان ويعيد الثقة بالشعوب. التغيرات الأخيرة تعكس مرحلة أزمات ستضع مصر والأردن، كدولتين استراتيجيتين على رقعة الشطرنج الجيوسياسي للمنطقة، تحت ضغط هذا الواقع المعقد والمليء بالتحديات. فهما تمثلان نقاط ارتكاز حيوية، لكنهما في الوقت ذاته هدف سهل لقوى تسعى لاستثمار موقعهما الجغرافي والسياسي لصالح أجنداتها الخاصة. 

اليوم اتابع الاخبار وانا على ثقة بأن العرب لن يبالوا بما سيحدث الآن إلا لمامًا، لأن ثلثهم غارق في صراعاته الداخلية العبثية التي تستنزف طاقاته، وثلث آخر سوف يكن خلال الاسابيع القادمة مشتت بين المسلسلات الرمضانية والمتعة الزائلة والسهرات الخاوية، بينما الثلث الأخير يلهث باستمرار على مدار العام في صراع يومي مرير من أجل لقمة العيش الكادحة. وإذا اجتمع الجميع والنخب في نهاية اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات الاعلام ، فإن النقاشات تتحول إلى ضجيج سطحي يفسر التهديدات القادمة وكأنها مجرد “خشبة عديمة الحراك”، وليس “تمساحًا جائعًا” ينتظر الفريسة بهدوء ومكر. 

وهكذا يضيع الوقت واعمارنا، ويضيع الجهد، ويضيع حتى الأمل في تغيير الواقع أو تحقيق الإصلاح الحقيقي. فالفرصة تفوتنا مرة أخرى دون خطوة حقيقية نحو الانعتاق من دوامة الهزائم المتكررة واستعادة الكرامة الوطنية والقدرة على القرار المستقل. فالتحرر الحقيقي لنا يبدأ بفهم حقيقة موقعنا كشعوب مستهدفة، والتوقف عن تبني أوهام الحلول السهلة أو الاعتماد على الآخرين. يجب أن نعيد بناء أنفسنا من الداخل، وأن نركز على تعزيز قيمنا وتعايشنا، تنمية مواردنا، وتطوير مؤسساتنا وبناء قدراتنا المعرفية والانتاجية. فقط حين نصبح أقوياء من الداخل، سنتمكن من مواجهة التحديات الخارجية بثقة واقتدار والاستقلال والانعتاق من دوامة الهزائم والصراعات المستمرة. أما إذا استمرينا كما نحن عليه وواصلنا اللعب بحسب قواعد الآخرين، فلن نحقق سوى المزيد من الهزائم والخيبات وسوف نجد اوطاننا هي البضاعة التي يتم المتاجرة بها في اسواق النخاسة. وكما قلنا مرارًا، لا يمكن التفاوض مع الأسد أو طلب الشراكة معه عندما يكون رأسك بين فكيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى